استطلاع مؤسسة غالوب عن العراق.. حينما يجتمع الابتزاز مع الرغبة في الانتقام – وكالة بابليون
أحدث_الأخبار
سياسية

استطلاع مؤسسة غالوب عن العراق.. حينما يجتمع الابتزاز مع الرغبة في الانتقام

بقلم: صدّيق البرهان

حينما تبدأ بي بي سي الكتابة عن استطلاع للرأي بمقولة “قبل عشرين عاماً كان يستحيل استطلاع اراء العراقيين لفهم أفكارهم ومخاوفهم”، فلا يمكن أن تكون نتيجة هذا الاستطلاع ان الكثير من العراقيين يرون أن الحياة كانت أفضل تحت حكم صدام حسين مقارنة بما هي عليه الآن!!

اذ ان الاستحالة لم تكن لعدم وجود استطلاعات للرأي ومؤسسات تجريها قبل عقدين من الزمن ولكن لكون التعبير عن هذا الرأي المستطلع قد يكون ثمنه غاليا جدا، ربما الحياة نفسها، في عهد النظام الدكتاتوري السابق في العراق. لكن إمكانية اجراء هذا الاستطلاع الان هي ابلغ دليل على ان الوضع الان افضل بكثير من سابقه بشهادة بي بي سي نفسها.

الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة غالوب لأبحاث الرأي لصالح بي بي سي هو منحاز بامتياز ولم يراعِ القواعد الأساسية الواجب اتباعها في أي استطلاع للرأي.

فحينما يركز مسح على الأوضاع في عراق ما قبل سقوط صدام حسين وبين عراق اليوم فلا ينبغي ان يكون اعمار المستطلع رأيهم أصغر من عمر الفترة الزمنية المستهدفة بالاستبيان او حتى اكبر بقليل.

وهذا تحديدا ما حدث في استطلاع معهد غالوب الذي اشرف عليه الدكتور منقذ داغر فقد جاء فيه ان ٣٣ ٪ من المشاركين تراوحت اعمارهم بين ١٨-٢٤ عاما بمعنى انهم لم يكونوا قد ولدوا بعد، وقت الغزو او كانت اعمارهم ٤ سنوات.

كما ان ٣١ ٪ من المشاركين تتراوح اعمارهم بين ٢٥-٣٤ عاما بمعنى انهم كانو بعمر بين ٥-١٤ عاما في عام الغزو. وهاتان الشريحتان تمثلان ٦٤ ٪ من العينة واعمارهم لا تساعدهم على معرفة الحياة تحت وطأة حكم صدام فكيف قارنوا بين الحقبتين.

مستشار سابق

وبنظرة سريعة على محرك البحث غوغل تجد ان المشرف على هذا الاستطلاع وهو الدكتور منقذ داغر، الذي أجرى في السابق مقابلات تلفزيونية عبر فيها عن دعمه الكامل لرئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، الذي يخضع مسؤولون كبار في حكومته الآن لتحقيقات في قضية سرقة القرن التي هزت أرجاء العراق.

وفي مقابلة مع قناة سامراء الفضائية في يونيو/ حزيران ٢٠٢٠ قال داغر ان “الكاظمي نجح في إدارة الدولة” وفي مقابلة أخرى مع UTV قال داغر ان “خطوات الكاظمي صحيحة”. ولا ريب ان هذه الآراء نابعة من كون داغر عمل مستشارا لدى الكاظمي من يوليو/ تموز ٢٠٢١ وحتى رحيل الكاظمي وقدوم الحكومة الجديدة في أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٢. وقد كتب داغر في نوفمبر/ تشرين الثاني يقول انه لم يتقاضَ أجرا عن استشارته ولم تكن له صفة رسمية لكن يكفي انه كتب هذا المقال بعد رحيل الكاظمي وليس قبله حتى تهتز مصداقيته.

وفي جميع المقابلات التي يجريها لا يفوت الدكتور داغر فرصة لمهاجمة رئيس الوزراء العراقي الحالي صراحة او ضمناً.

ففي مقابلة مع صحيفة “العين” الإماراتية بشأن نزع سلاح “المليشيات” في ٢٠ مارس/ اذار الماضي قال داغر “ان السوداني قد يتحرك لنزع أسلحة فصائل ومجاميع مسلحة صغيرة ليس لها ذلك النفوذ والامتداد حتى يكتسب الثقة ولكن لن يستطيع الاقتراب من المليشيات الرئيسية والتي لها أغطيتها السياسية”.

استطلاع عائلي

وبنظرة أخرى على محرك البحث غوغل ستجد ان أروى داغر، وهي اما شقيقة الدكتور منقذ او ابنة عمه، تعمل كمديرة العمليات التابعة للمؤسسة. وهو ما يضع علامة استفهام كبيرة على إسناد الاشراف على هذا الاستطلاع للدكتور منقذ “الباحث في الشؤون العراقية” حسب توصيف بي بي سي.

وهناك أيضا نقطة أخرى جديرة بالمتابعة وهي أن الاستطلاع قسم المستطلع آراؤهم بين علوي وسني وشيعي ومسلم. وهو يضع نسبة المسلمين المشاركين بانهم اكثر من ٥٠ ٪ وكأن العلويين والسنة والشيعة ليسوا مسلمين، وهذا يدلل على ان القائمين على الاستطلاع اما لا يعلمون شيئا عن التنوع الديني في العراق او انهم كانوا على عجلة من امرهم في الانتهاء من الاستطلاع وبيعه لبي بي سي!

وبطبيعة الحال سيكون الإعلام البريطاني في الفترة المقبلة من اشد المنتقدين للاداء الحكومي العراقي اذ لم نسمع عن صفقات كبيرة ابرمتها الحكومة العراقية الحالية برئاسة محمد شياع السوداني مع شركات بريطانية على غرار تلك التي ابرمتها مع توتال انيرجيز الفرنسية وسيمينز الالمانية.

لا احد ينكر ان العراق بعد عشرين عاما من الغزو الأمريكي شهد الكثير من الحروب والإرهاب والمآسي وانتشر فيه الفساد واطلت عليه الطائفية بوجهها القبيح لكن مواطنيه اليوم يتمتعون بحرية رأي وتعبير جعلتهم يخرجون للشوارع للتعبير عن رغبتهم في تغيير حقيقي وهم اليوم ينتظرون بزوغ شمس التنمية ويتطلعون لمستقبل افضل لهم ولأبنائهم وهي طموحات لا تحتاج لاستطلاعات مجتزئة يشوبها الطمع والرغبة في الانتقام.

اظهر المزيد
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى