السوداني……الرجل….. الدولة – وكالة بابليون
أحدث_الأخبار
سياسية

السوداني……الرجل….. الدولة

 

سعد الاوسي

في خضّم عاصف من صراعات الإرادات والتقاطعات و التحديات ولدت الوزارة الأخيرة برئاسة المهندس محمد شياع السوداني، كان الجو السياسي الذي رافقها بالغ الضبابية وربما العتمة والاضطراب، مما جعل مهمة إدارة الدولة هذه المرة أكثر صعوبة وتعقيدا من سابقاتها، وكان رهان الخصوم المعارضين، وقلق الحلفاء الداعمين المؤيدين – على اختلاف هوياتهم ودوافعهم وأهدافهم أنها لن تصمد و ستتعثر و ربما تكبو سريعاً، خاصة وهي آتيةٌ بعد وزارتين مضطربتين، إحداهما وزارة السيد عادل عبد المهدي التي واجهت تحدي المظاهرات التشرينية وسقطت أمامه، وثانيهما وزارة مصطفى الكاظمي الانتقالية المؤقتة التي تشكلت بعد أزمة فزادت الوضع أزمات بسبب إثقالها بالعديد من مراكز القوى واللاعبين من وراء الأستار الذين اثقلوا مسارها بأطماعهم وفسادهم وطموحاتهم المريضة،
هذا غير الصراع العنيف الذي وصل حد تكسير العظام في مرحلة بعد الانتخابات، من أجل الاستئثار بالتشكيل الوزاري والذي تدخلت فيه قوى دولية وإقليمية بكل ثقلها ونتج عنها حالة من التعطيل والجمود والانسداد السياسي كاد أن يودي بالبلد إلى أتون المجهول.
كان زعماء الإطار في شبه إجماع على السيد محمد شياع السوداني رغم وجود مرشحين آخرين تم استبعادهم بعد أن رجحت كفة السوداني ثقيلةً في ميزان المفاضلة، لذلك جرى تكليفه فورا بعد انتخاب رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ويبدو أن الرجل كان بكامل استعداده وجاهزيته وقدرته على تسنم قيادة البلد والخروج به من الخانق القاتل الذي كان يتخبط فيه. وعلى الرغم من أن اختيار السوداني جاء باجتماع وإجماع إرادة زعماء الإطار الفائزة كتلهم في الانتخابات وعلى رأسهم (السيد نوري المالكي والشيخ قيس الخز علي ، الحاج هادي العامري ، سماحة السيد الحكيم ، الحاج فالح الفياض ) إلا أن شكل الإدارة الذي اضطلع به الرئيس السوداني منذ أول أيامه في رئاسة الوزراء كان يحمل إشارة دلائل ساطعة تكشف صيغة وملامح الاتفاق العهد الذي انعقد بين الطرفين (الزعماء والسوداني) وهو احترام استقلالية إدارته للبلد وعدم التدخل في قراراته ومنحه الفترة الزمنية اللازمة لتنفيذ برنامجه الإصلاحي التطهيري لمؤسسات الدولة التي عشش فيها الفساد والفوضى وقلّة الكفاءات، ولإنقاذ اقتصاد البلد من الكارثة المحدقة التي تنتظره بعد طول عهود فساد. و كانت التسريبات المترشحة من الاتفاق تقول أن السوداني قال إنه لن يقبل إلا أن يدير دفة البلد بكامل حقوقه ‏الدستورية والقانونية والوطنية وباستقلالية مطلقة كي يتحمل وحده مسؤولية قراراته بنجاحاتها وإخفاقاتها وقد احترم زعماء الإطار رغبته وأيدوه في المضي قدماً بمشروعه الاصلاحي الطموح.
كانت بداية رئاسة السيد محمد شياع مثقلةً بإرثٍ من الولاءات المتقاطعة في أهم مفاصل الدولة الوسطى التي تشكل عصب الحكومة وروحها المتحركة، حيث عملت بعض رئاسات العهود السابقة بدأب على وضع شخوص معدومي الكفاءة والخبرة من أصحاب ولاءاتها في المفاصل المهمة لتضمن إدارة متفردة مطلقة للمؤسسة الحكومية بكاملها خلافاً تجاوزاً في كثير من الأحيان على الصلاحيات الدستورية والقانونية المحددة لعملها في استعادة غريبة لشكل من أشكال الدكتاتورية بهيئة وصيغة وثوب جديد، وكان أخطر تجليات ذلك في المؤسسات الأمنية والمخابراتية وبعض الهيئات ذات الطبيعة العسكرية، إضافة إلى المؤسسات ذات الريع المالي الكبير والتي اصطلح الفاسدون على تسميتها ب (أم الخبزة)!!!.
كانت المعضلة الأولى التي واجهها السوداني في تطهير هؤلاء تصطدم بعقبتين كبيرتين، أولهما أنهم يستندون إلى مراكز قوى كبيرة ومؤثرة ويصعب جدا الاصطدام بها، خاصة و أن لها مقاعد عديدة في البرلمان، يمكن أن تشكل ردعاً لاية سلطة مهما علت مرتبتها،
والعقبة الثانية في أنهم تجذروا بمناصبهم وصار لهم أرضية صلبة من الأتباع والمنافقين والذيول و حاملي المباخر في المؤسسات التي يعملون فيها، وهؤلاء سيكونون حوائط صد و مظلات تغطية لأولياء نعمتهم حتى في حال إخراجهم من مناصبهم أو محاسبتهم على أعمال الفساد التي ارتكبوها، وهاتان المنظومتان المتخادمتان يشكلان عنصرا قوياً في صناعة الرأي الفني داخل مؤسسات الدولة، وذراعا فاعلة مؤثرة من أذرع الدولة العميقة، ولعلّ عملية هروب مدير العمليات الخاصة بجهاز المخابرات المتهم بإدارة عمليات فساد كبيرة جدا في وزارة الكاظمي، خير دليل على ذلك، إذ أشارت الدلائل إلى تواطؤات من داخل جهاز المخابرات على تهريب المذكور رغم خطورة التهم المنسوبة إليه في نفس الوقت نؤكد وبقوة وجود شخصيات وقيادات في الجهاز تتمتع بقدر كبير وعالي في المهنية والوطنية والولاء للعراق وتعمل من اجل الشعب.

ومع صعوبة معالجة مثل هذه الملفات الخطيرة وشدّة تغلغلها في جسد المؤسسة الحكومية إلا أن السيد السوداني أثبت وفي وقت قياسي قدرته على وضع حلول جذرية تدريجية لتطويق هذه الظاهرة والقضاء عليها، وكان ذلك جليا في قرارات حاسمة أصدرها بإرادته المباشرة لجهاز المخابرات كنموذج أول لمنهج عمل إصلاحي صارم سيعمم على جميع مؤسسات الدولة بحلول جذرية من شأنها تصويب مسار الدولة و لملمة وجودها المتبعثر بين الفساد والاستقواء و التحاصص الجاهل وإلغاء منطق تقاسم المصالح والمكاسب وإعادة فرض الروح الوطنية كمرتكز أساس في بناء الدولة.
ويواجه السوداني ربان السفينة القوي الأمين الخبير، تحديات كبيرةً أخرى وهو يعبر بالعراق بحر المستحيلات المجهول الذي صنعته سنوات الصراعات السياسية والطائفية والإقليمية والدولية بقلب من حديد، ومنها وجود أكثر من قوة سياسية يحرّكها طامحون طامعون بالقفز على المنصب والهيمنة عليه، بالعمل على عرقلة وتعويق عمل السوداني وحكومته، إضافة إلى تحجيمه سياسيا وتسقيطه إعلاميا بتضخيم أصغر أخطاء حكومته وشيطنة أعمالها بترويج إعلامي ضخم لسحب التفويض والتأييد الشعبي العارم الذي حصل عليه السيد السوداني وحكومته الواعدة. وهو الأمر الذي يتسابقون عليه مع الزمن لمعرفتهم أن كفاءة الرجل في إدارة الدولة ستزيد من مكانته وحكومته رسوخا في الميزان المحلي عند العراقيين خاصة وفي الميزان العربي والاقليمي والدولي الذي أصبح واضحاً للجميع أنه يدعم السوداني بشدة لإيمانه بأنه الرجل المعوّل عليه في خلاص البلد واستقراره.
لقد أثبت التاريخ السياسي على مدى العصور مقولة أن الدول برجالها، حتى تلك التي تتمتع بأنظمة مؤسساتية دقيقة، فإن وجود رجالٍ ملهمين كفوئين أقوياء وطنيين نزيهين في قيادتها، أنتج نهضةً وازدهاراً وتقدّماً و رخاءً وأمنا و عدالةً واكتفاءً اقتصاديا وقوةً ومنعة، وأمثلتها في التاريخ القديم والحديث أكثر من أن تحصر في هذا المقال، لذلك نحن نتوقع للعراق في ظل قيادة السوداني بالمرحلة القادمة أن يبدأ مرحلة الاصلاح التي طال انتظارها، وأن توضع حلول جذرية لحالة الفساد والسرقة المستشرية في مؤسساته الحكومية وأن تكون انطلاقة حقيقية لمرحلة رفاه معاشي -حتى وإن كانت نسبية-للمواطن بعد طول معاناة، وأن تعود للدولة كينونتها وحضورها وهيبتها داخليا وخارجياً، خاصةً ومحن نرى الرجل يعمل بهمة ألف رجل وبطاقة وحماس هائل يصل به إلى العمل 18 ساعة في اليوم بحيث يحتاج إلى طاقمين متناوبين من المساعدين لمواكبة نشاطه وحركته، مع إشارات مؤكدة تدلّ على نزاهة كبيرة في سيرة عمل هذا الرجل طال غيابها عن العمل الحكومي وعظمت حاجة الوطن والشعب إليها لاعادة ثقتهم بالمسؤولية والمسؤول وهو الأمر الذي سيسجله التاريخ لمحمد شياع السوداني رجل الدولة الذي يثبت لنا يوما بعد يوم أنه الرجل الدولة، بعد امتزاجه قليا وروحا وعقلاً وعملاً بكينونتها وتخليه وانصهار ذاته في ذاتها بعيدا عن فخ صناعة المصالح والأمجاد الشخصية التي سقط فيها سواه.

اظهر المزيد
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى