افتتاحية جريدة الحقيقة إعدام فالح أكرم فهمي وعُقدة صدام (العائلية) ! – وكالة بابليون
أحدث_الأخبار
تقارير

افتتاحية جريدة الحقيقة إعدام فالح أكرم فهمي وعُقدة صدام (العائلية) !

فالح حسون الدراجي

ستمر بعد أيام معدودة، الذكرى الثانية والثلاثون لإعدام النجم الرياضي اللامع فالح أكرم فهمي من قبل نظام صدام الدكتاتوري، بسبب مواقفه الوطنية المعروفة، ورفضه الظلم، والاستبداد، في حين كانت تهمة (القذف والتهجم على رئيس الجمهورية) هي التهمة الرسمية التي حوكم بها الشهيد البطل في محكمة الثورة من قبل المجرم عواد البندر، الذي أصدر قراراً بحكم العميد الركن قوات خاصة فالح أكرم فهمي بالإعدام شنقاً، لقيامه بشتم الطاغية صدام أمام عدد من الضباط، وحسب الشريط الذي احتوى تسجيلاً بصوت الشهيد فالح مع شهادة مؤيدة لأحد الضباط الحاضرين في تلك الواقعة!. لقد كانت محاكمة الشهيد فالح أكرم فهمي، صورة ناطقة عن مستوى النظام الدكتاتوري المتدني، و(هزالة) قضائه الخاص.
ويذكر هنا أحد الحاضرين في تلك المحاكمة، فيقول: إنه لم يرَ في حياته محاكمة هزيلة مثل محاكمة هذا البطل، إذ انها لم تستغرق أكثر من عشر دقائق فقط، ليطلق بعدها البندر حكمه الظالم، المُعدّ، والمقرر له سلفاً من قبل المجرم حسين كامل، الذي كان يشغل منصب مدير جهاز الأمن الخاص آنذاك، وهو الجهاز الذي اعتقل الشهيد فالح، وأعد وأنجز بنفسه ملف تحقيقه الظالم!
والشهيد فالح، الذي هو نجل مؤسس الحركة الأولمبية في العراق أكرم فهمي، مارس الرياضة منذ صغره، وأصبح نجم نادي الأعظمية الأول لسنوات، ثم التحق بالكلية العسكرية، وتخرج منها ضابطاً، ليصل الى رتبة لواء (استحقاقا)، لكن النظام الصدامي لم يمنحه هذا الاستحقاق التراتبي.. والشهيد فالح، واحد من أبطال العراق اللامعين بألعاب القوى، وكرة السلة.. وبطل العرب في ركضة 200 متر، وفي ركضة البريد، وركضة الموانع أيضاً، وهو بطل العراق في الوثب العريض في خمسينيات القرن الماضي، لكنه استقر في الستينيات على لعبة كرة السلة، ليصبح (كابتن) منتخب العراق بهذه اللعبة.
كما شغل منصب مدير التدريب البدني والعاب الجيش. علماً أن الشهيد فالح، نال شرف رئاسة الوفد العراقي في دورة الالعاب الاولمبية العام 1960 وشارك في دورة لوس انجلس الأولمبية العام 1984، وشارك أيضاً في أغلب الدورات العربية، فكان مفخرة في جميع المشاركات الرياضية.
دعوني هنا أنقل لكم بعض ما كتبه رفيق معاناته في الاعتقال والمحاكمة عبدالسلام صالح، حيث قال: (لقد كان العميد الركن فالح أكرم فهمي، شخصية عسكرية ورياضية مرموقة، يمتاز بدماثة الخلق، والتفاني في العمل، والإخلاص للوطن، وامتازت علاقته بأقرانه بالشفافية والصدق دوماً، فكان جريئاً بطروحاته في زمن الخوف من النظام.. لقد عاش الشهيد فالح مهموما بالوطن، وعاشقا للحرية، ومدافعا عن الإنسان أينما كان، لذلك دفع حياته ثمناً لكلمة حق وضمير متيقظ.. .
فامتدت يد السلطة الدموية لتقتلع الشجرة المثمرة من مقر عمله. وبعد ذلك بأيام معدودة، تم اعتقالي، لأرافقه في رحلة التعذيب، كما رافقته في الحياة، ولأتجرع معه كأس الألم.
وبعد رحلة تعذيب مميتة، كنا نتبادل فيها الصرخات بين زنزانتي وزنزانته 23 و24 ليبقى صدى صراخه ذكرى أليمة، مازالت في قلبي دفينة. في تلك الأثناء، فقدنا الزمن وتفاصيله، ولم نكن نعرف اليوم والساعة، ولا الليل والنهار بفعل الضوء الساطع، الذي علق أعلى الزنزانة اللعينة. وبعد أيام من التعذيب المميت، فوجئت بجلاوزة النظام يقتادونني معصوب العينين بقوة إلى إحدى غرف التحقيق، وهناك رفعوا الغطاء عن عيني لأرى نفسي مباشرة أمام المقبور حسين كامل، وبعض معاونيه، ممن هم أسوأ منه خلقا وقِيماً، وقد سبقني إلى هناك العميد الركن فالح أكرم فهمي.. فكنا أنا وإياه في حالة جسدية منهكة تماما، بفعل الدماء الغزيرة التي كانت تصب من أجسادنا الخاوية..)!
والسؤال هنا: لماذا أعدم صدام حسين، الرياضي فالح أكرم فهمي، لمجرد أنه انتقد النظام السياسي، أو ربما تعرض لشخصه بكلمة قاسية، بينما نجد صدام نفسه قد عفا عن أشخاص قالوا فيه اكثر مما قاله فالح فهمي، أو على الأقل لم يصدر بحقهم أحكاماً بالإعدام، وهذا الأمر لا يعني أن صدام شخص رحيم، وطيب (وخوش آدمي) يعفو عن الآخرين، إنما لأن هؤلاء الأشخاص (الذين عفا عنهم صدام)، ليسوا ذا أهمية اعتبارية لديه، ولا يشكلون هاجساً سيكولوجيا له، بينما الحال يختلف مع أبناء العوائل الكبيرة، والمحترمة.. فهذه العوائل، وأبناؤها يشكلون لصدام قضية معينة.. فهو كما معروف يتحسس كثيراً من أبناء العوائل المعتبرة والمحترمة، ويحقد عليهم. لذلك تجده ينتظر مثل هذه الفرصة بلهفة لتلبية نداء الحقد الشخصي المزروع في صدره منذ الطفولة. وبما أن فالح أكرم فهمي واحد من أبناء الأسر العراقية المحترمة – فهو نجل اكرم فهمي مؤسس الحركة الأولمبية في العراق كما ذكرنا- وابن عم الشخصية النضالية الوطنية المرموقة الدكتور رائد فهمي – سكرتير الحزب الشيوعي العراقي، وزير العلوم والتكنولوجيا السابق- وسليل عائلة كبيرة مكتنزة بالشخصيات العراقية الباهرة، فقد كان من الطبيعي أن يطيح به صدام، ويوجع قلب هذه الأسرة البغدادية، ويذلها – فأوجعها فعلاً ولكن.. حاشا أن يذلها الملعون- وهو الأمر نفسه الذي مارسه صدام مع الكثير من أبناء الأسر والعشائر الكبيرة الأخرى.. وهنا يكمن برأيي بيت الفرس. فالمشكلة لم تكن بما قاله الشهيد فالح بحق صدام من انتقاد، إنما المشكلة تكمن في شخص صدام نفسه، وهي مشكلة نفسية، عائلية، تربوية، لم يستطع صدام التخلص منها، منذ أن قام بمنع بث أغنية (يا صبحة هاتي الصينية)، للمطرب موفق بهجت.

اظهر المزيد
0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
Inline Feedbacks
View all comments
زر الذهاب إلى الأعلى